شنت جماعة الإخوان الإرهابية عبر لجانها الإلكترونية هجوما شرسا على كتاب جديد من الكتب التي شهدها معرض القاهرة الدولي للكتاب وهو كتاب “إسلام بلا تنظيمات” للمؤلف محمد جاد الزغبي الباحث في شؤون الاسلام السياسي.
وعقدت عناصر الإخوان الهاربة في تركيا ندوات تنتقد الكتاب بسبب رفضه لفكرة الجماعات والتنظيمات الدينية وتأكيده على أن الجماعات الناسبة نفسها للإسلام لا تمت للدين الصحيح باي صلة ومنهم جماعة الإخوان.
النهار تنفرد في السطور التالية بحوار صحفي مع الباحث الدكتور محمد جاد الزغبي حول كتابه “إسلام بلا تنظيمات ” للرد على هجوم الإخوان، فالى نص الحوار.
حدثنا عن كتابك (إسلام بلا تنظيمات) وما أبرز ما تناولته فيه ؟!
كتاب (إسلام بلا تنظيمات) كان محاولة لإيجاد مكان محايد لعموم الناس وشباب المثقفين في الصراع الأيديولوجي القائم في الإعلام وسط التحزبات الضيقة والعنيفة الدائرة بين أصحاب توجهات التطرف الديني وبين أصحاب الدعوات العلمانية الصريحة للتخلي عن كافة ثوابتنا، فالمعركة الدائرة في الإعلام منذ عدة سنوات تدور بين طرفين لا يمثلان جمهور المواطنين والمسلمين على الإطلاق، طرف الإخوان والتنظيمات المنسوبة للدين والتي تتاجر بالعواطف الدينية للشعوب وتجعل من الدين عدوا للوطنية!، والطرف العلماني الفج الداعي للتحلل من سائر ثوابت الدين وكافة ثوابت الأخلاق تحت زعم التجديد والتنوير وبالتالي فكلا الطرفين لا يمثلان جمهور الناس الذين يتمسكون بثوابت دينهم كما تلقوها منذ عشرات القرون، ويرفضون في نفس الوقت دعاة الإرهاب والتكفير التي جعلت الدين سبيلا للوصول للحكم وتنفيذ طموحاتهم على حساب المخدوعين.
الى من توجه هذا الكتاب ؟!
هذا الكتاب أوجهه للشباب المستقل عن كافة التيارات، المؤمنون بثوابتهم دون تعصب، والرافضون للانحلال أيضا، وهو كتاب حواري موسع جمعت فيه محاورات دامت لمدة طويلة بيني وبين بعض شباب المثقفين حول القضايا التاريخية والدينية المثيرة للجدل، وقد طرحت فيه حقائق الدين والتاريخ بصورتها الأصلية بعيدا عن التعصب الذي كان سببا حتى في تشوبه منجزات التاريخ القديمة والحديث
ولذلك…فالكتاب يحتوي ردودا علمية بالأدلة الثابتة على جرائم الجانبين، جانب التنظيمات المتأسلمة، وجانب التنظيمات العلمانية ويطرح ردا منطقيا على كافة ما أثاره الجانبان وزوروه بحق الدين والتاريخ والتراث.
ما سر ظهور التنظيمات الإسلامية رغم تحذيرات الرسول منها؟ وما سبب شعبيتها الكبيرة وسط الناس؟
سأجيبك عن النقطة الثانية قبل الأولي… فليست هناك أي شعبية للتنظيمات المتأسلمة منذ بداية ظهورها وحتى اليوم، فالخوارج ـــ وهم أول التنظيمات ظهورا في التاريخ الإسلامي ــ لم يكونوا جماعة أو أصحاب شعبية كبرى بل كانت فرقا متناحرة محدودة لا يمكن أن نحسبها ذات شعبية بالقياس إلى عموم المسلمين، وعبر التاريخ كانت تنظيمات الشيعة المسلحة، وتنظيم الإخوان يتصفون بنفس الصفة، فهم مهما تكاثر عددهم فهم قلة قليلة مكروهة بأفعالها ومعتقداتها حتى لو حظيت بشعبية ما في بداياتها فإن هذه الشعبية سرعان ما تنتهي مع انكشاف وجهها للناس، فقد تاب الآلاف من أتباع الخوارج بعد أن ظهرت وحشيتهم تجاه الناس، وانقلب الآلاف من أتباع الشيعة بمجرد ظهور خيانتهم وغدرهم بآل البيت أنفسهم، وكذلك تراجع وانشق عن الإخوان معظم الذين انضموا إليهم في بداية تكوينهم بمجرد ظهور فضائح النظام الخاص في الأربعينات، وتراجع الآلاف من أتباع جماعات التكفير بالمراجعات التي حدثت في التسعينيات، وانشق عدد كبير من قيادات وشباب الإخوان عقب ثورة يناير بعد ظهور السياسة البرجماتية في استئثارهم بالسلطة.
أما بالنسبة للشق الأول من السؤال وهو كيفية ظهور هذه الفرق رغم أن النبي عليه الصلاة والسلام حذر منها ووصفها وصفا دقيقا جدا، وحكم عليها بأنها تنظيمات خارجة عن الدين والسُنة، فالأمر لا يثير أي دهشة في الواقع، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حذر من مئات التنظيمات وآلاف الأفعال التي ستقع في مستقبل الأمة ورغم ذلك فقد وقعت كما تنبأ بها النبي عليه السلام تماما! مثال ذلك ما حذرنا منه النبي عليه السلام من أئمة الضلال الذين سيطعنون في السنة النبوية وفي القرآن ويشككون في ثبوتهم ويدعون الناس لترك العمل بكليهما، وهذه الفئات الآن تملأ ساحات الإعلام بل ويتابعها العشرات دون أن ينتبه الناس إلى حقيقة بسيطة وهي أن مجرد ظهور هذه الفئات المنكرة للقرآن والسنة هو في حد ذاته أكبر دليل على صحة القرآن والسنة لأنهما حذرا من ظهورهما بل أزيدك عن هذا بمثال أكثر وضوحا فإن النبي عليه السلام حَذّر في مئات الأحاديث من المسيح الدجال، ووضع أوصافه بدقة مدهشة، وهذه الأحاديث يعرفها القاصي والداني، ورغم ذلك تثبت الأحاديث النبوية الشريفة أن أتباع الدجال سيكونون بالآلاف رغم ظهوره بنفس العلامات التي وصفها النبي عليه السلام وأشهرها أنه أعور العين ومكتوب على جبينه كلمة (كافر) فالعلم بالخطر لا يمثل حصانة ضد ارتكابه، لأن القلوب هي التي تتحكم في العقول وليس العكس.
ما أخطر تنظيم اسلامي في التاريخ من وجهة نظرك؟
تسمية تنظيم إسلامي تسمية غير دقيقة بل التعبير الأدق هو تنظيم متأسلم، ولا شك أن أخطر تنظيمات الإرهاب في العالم أجمع ــ وليس على مستوى المسلمين ـــ هي تنظيمات الشيعة عبر التاريخ القديم والحديث فميلشيات الشيعة قديمة جدا، ويتفوقون على الخوارج في خطورتهم نظرا لأن الخوارج فيهم جماقة المواجهة المباشرة، فكانوا يكونون الميلشيات المسلحة يواجهون بها سلطان الحكم الشرعي مواجهة واضحة
أما تنظيمات الشيعة فقد سبقت عصرها حيث اتسمت بنفس سمات أجهزة المخابرات المنظمة وكان الغدر والخفاء سلاحها الرئيسي وأخطر تنظيم مسلح للشيعة ظهر في التاريخ هو تنظيم (الحشاشين) بقيادة (حسن الصباح) في زمن السلاجقة، وتسببوا في كوارث عديدة للمجتمع وارتكبوا جرائم ومذابح دموية ولم تستطع إمارة السلاجقة مواجهتهم في قلعتهم المحصنة المعروفة باسم (قلعة ألموت) وظل التنظيم قائما حتى انهار بعد ظهور هولاكو واجتيازه لإيران
وبعدها ظهرت تنظيمات متنوعة منذ ذلك الزمن البعيد وحتى زمن (الخميني) والذي يعتبر ــ بحق ــ الأب الروحي للإرهاب المسلح في العصر الحديث، فقد بلغت عمليات الإرهاب التي قامت بها تنظيماته في الخليج والشام قرابة 2500 عملية نجح معظمها وتسبب في خسائر فادحة، وكان الخميني هو بطل عملية الإرهاب التي استهدفت الحرم المكي وقت الحج عام 89 وكشفتها السلطات السعودية لحسن الحظ، كذلك عانت مصر من عملياتهم عدة مرات كان آخرها في تفجيرات شرم الشيخ عام 2005 التي تورط فيها حزب الله ثم اشتراك نفس الحزب في عمليات الإرهاب المنظم في سيناء بعد إسقاط الإخوان.
كيف نقضي على التنظيمات كالإخوان وداعش؟
المواجهة مع الإرهاب ليست مواجهة أمنية فقط، وليست مواجهة فكرية فقط أيضا، بل هي مشروع متكامل من المفترض أن تشترك فيه الحكومات مع المفكرين وعلماء المسلمين ولكن مع ضابط هام جدا…وهو ابتعاد أصحاب أفكار العلمانية وأفكار الإلحاد عن المواجهة تماما، لأن هذه المجموعات بأفكارها المعادية تماما للدين يمثلون نيرانا صديقة في أي دولة، لأنهم ببساطة يظهرون في الإعلام بشكل كاسح يروجون لأفكار الشذوذ والانحلال وما شابهها، وبالتالي فهم يمثلون مكسبا عظيما لتنظيمات الإرهاب كي تتخذهم ذريعة وحجة ودليل على أن المجتمع كله كافر لأنه يسمح لهؤلاء بالظهور! خاصة إذا وضعنا بأذهاننا أن الإخوان وتنظيمات الإرهاب لا تخدع أتباعها إلا بحجة واحدة وهي حجة تكفير المجتمع، والدفاع عن الثوابت الدينية، وبالتالي فإن وجود الهجمات المنظمة على الأزهر وعلى ثوابت القرآن والسنة لا يصب في مصلحة أحد إلا في مصلحة الإخوان وأتباعهم حتى يثبتوا لشبابهم أن إسقاطهم كان إسقاطا للإسلام!.
هل التنظيمات صناعة غربية لتفريق الاسلام والمسلمين؟
هذا بالنسبة للتنظيمات المعاصرة أما في العصور القديمة فلم تكن تلك التنظيمات عميلة للغرب، بل كانت حليفة لهم، وقد تحالف الشيعة غبر التاريخ مع المغول والصليبيين عدة مرات لضرب مصر والشام وبلاد الحرمين وكان الوزير الشيعي (ابن العلقمي) والفقيه الشيعي (نصير الطوسي) أكبر عملاء هولاكو قبل دخوله لبغداد وكانوا هم من خانوا أمانتهم وتسببوا بسقوط بغداد وبعدها طلبوا من هولاكو أن يفتك بمكتبة بغداد المليئة بأمهات مراجع الدين والسنة، واستجاب هولاكو بالفعل وأغرق الكتب كلها في نهر دجلة! أما التنظيمات المعاصرة، فهي عميلة على مستوى القيادات، ويكفينا أن نعلم بأن حسن البنا كان متعاونا لصيقا بتنظيمه مع الفرنسيين ممثلين في شركة قناة السويس، وكذلك مع الإنجليز الذين دعموه بتعاون مبكر بينهم كشف عنه الباحث الإنجليزي (مارك كورتيز) في كتابه المعروف (التاريخ السري لتعاون بريطانيا مع الأصوليين) بخلاف التعاون الوثيق والمعلن بين التنظيم الدولي للإخوان وبين بريطانيا والولايات المتحدة في مرحلة ما بعد عام 2005 وحتى اليوم.
رأيك في التنظيمات الإسلامية الحديثة وخاصة الإخوانية والسلفية والصوفية والمسلحة وما الفرق بينهم؟
من المهم جدا في البحث العلمي أن نقوم بتحرير المصطلحات بدقة فالتعريف العلمي للتنظيمات المسلحة، أنها تجمعات حزبية أيديولوجية موحدة العقيدة والقيادة ذات هدف سياسي معلن وتعمل على نشر أفكارها بالقوة المسلحة سعيا للسلطة وطبقا لهذا التعريف نستطيع أن نضع الإخوان في مفهومه، وكذلك تنظيم القاعدة، وداعش، وأيضا التنظيمات الغربية مثل جماعات (كوكلاكس كلان) الأمريكية المتطرفة وغيرهم وهذه التنظيمات لا تحتاج لإبداء الرأي فيها لكونها معاقل التخريب في العالم على مر التاريخ وطبقا لهذا التعريف أيضا…لا يمكن أن نضع الحركة السلفية أو الجماعات الصوفية تحت مفهوم (التنظيم), لأنها جماعات نشأت في رعاية الحكومات ومساندتها.